الخميس، 6 يناير 2011


هنيئا لك الحج يا سعيد

بعد انتهاء مراسم الحج وانفضاض الحجيج كل في
حال سبيله اكتظ المطار بالحجاج العائدين الى بلادهم وهم ينتظرون طائراتهم لتقلهم
الى الاحباب الذين ينتظرونهم بفارغ الصبر , جلس سعيد على الكرسي وبجانبه حاج اخر
فسلم الرجلان على بعضهما وتعارفا وتجاذبا اطراف الحديث حتى قال الرجل الاخر :



- والله يا أخ سعيد انا اعمل مقاولا وقد
رزقني الله من فضله وفزت بمناقصة اعتبرها صفقة العمر وقد قررت ان يكون اداء فريضة
الحج للمرة العاشرة اول ما أفعله شكرانا لله على نعمته التي انعم بها
علي وقبل ان أتي الى هنا زكيت اموالي وتصدقت كي يكون حجي مقبولا عند الله .ثم اردف
بكل فخر واعتزاز :

- وها انا ذا قد اصبحت حاجا للمرة العاشرة

اومأ سعيد برأسه وقال :

- حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا
مغفورا ان شاء الله

ابتسم الرجل وقال :

- اجمعين يارب وانت يا أخ سعيد هل لحجك قصة
خاصة ؟

اجاب سعيد بعد تردد :

- والله يا أخي هي قصة طويلة ولا اريد ان
اوجع رأسك بها

ضحك الرجل وقال :

- بالله عليك هلا اخبرتني فكما ترى نحن
لانفعل شيئا سوى الانتظار هنا .

ضحك سعيد وقال :

- نعم, الانتظار وهو ما تبدأ به قصتي فقد
انتظرت سنينا طويلة حتى احج فأنا اعمل منذ ان تخرجت معالجا فيزيائيا قبل 30 سنة
وقاربت على التقاعد وزوجت ابنائي وارتاح بالي ثم قررت بما تبقى من مدخراتي البسيطة
أداء فريضة الحج هذا العام فكما تعرف لايضمن احد ماتبقى من عمره وهذه
فريضة واجبة .

رد الرجل :

- نعم الحج ركن من اركان الاسلام وهو فرض على
كل من استطاع اليه سبيلا .

اكمل سعيد :

- صدقت , وفي نفس اليوم الذي كنت اعتزم فيه
الذهاب الى متعهد الحج بعد انتهاء الدوام وسحبت لهذا الغرض كل النقود من حسابي,
صادفت احدى الامهات التي يتعالج ابنها المشلول في المستشفى الخاص الذي اعمل به وقد
كسا وجهها الهم والغم وقالت لي استودعك الله يا اخ سعيد فهذه اخر زيارة لنا لهذا
المستشفى , استغربت كلامها وحسبت انها غير راضية عن علاجي لابنها وتفكر في نقله
لمكان اخر فقالت لي لا يا أخ سعيد يشهد الله انك كنت لابني احن من الاب وقد ساعده
علاجك كثيرا بعد ان كنا قد فقدنا الامل به .

اسغرب الرجل وقاطع سعيد قائلا :

- غريبة , طيب اذا كانت راضية عن ادائك
وابنها يتحسن فلم تركت العلاج ؟

اجابه سعيد :

- هذا ما فكرت به وشغل بالي فذهبت الى
الادارة وسالت المحاسب عن سبب ماحدث وان كان بسبب قصور مني فاجابني
المحاسب بان لاعلاقة لي بالموضوع ولكن زوج المرأة قد فقد وظيفته واصبح
الحال صعبا جدا على العائلة ولم تعد تستطيع دفع تكاليف العلاج الطبيعي فقررت
ايقافه .

حزن الرجل وقال :

- لاحول ولا قوة الا بالله , مسكينة هذه
المرأة فكثير من الناس فقدت وظائفها بسبب ازمة الاقتصاد الاخيرة , وكيف تصرفت يا
اخ سعيد ؟

اجاب سعيد :

- ذهبت الى المدير ورجوته ان يستمر بعلاج
الصبي على نفقة المستشفى ولكنه رفض رفضا قاطعا وقال لي ان هذه مؤسسة خاصة تبتغي
الربح وليست مؤسسة خيرية للفقراء والمساكين ومن لايستطيع الدفع فهو ليس بحاجة
للعلاج .

خرجت من عند المدير حزينا مكسور الخاطر على
المرأة وابنها خصوصا ان الصبي قد بدأ يتحسن وايقاف العلاج معناه إنتكاسة تعيده الى
نقطة الصفر , وفجأة وضعت يدي لا اراديا على جيبي الذي فيه نقود الحج , فتسمرت في
مكاني لحظة ثم رفعت رأسي الى السماء وخاطبت ربي قائلا :

اللهم انت تعلم بمكنون نفسي وتعلم ان ليس احب
الى قلبي من حج بيتك وزيارة مسجد نبيك وقد سعيت لذلك طوال عمري وعددت لاجل ذلك
الدقائق والثواني ولكني مضطر لان اخلف ميعادي معك فاغفر لي انك انت الغفور الرحيم
.

وذهبت الى المحاسب ودفعت كل مامعي له عن اجرة
علاج الصبي لستة اشهر مقدما وتوسلت اليه ان يقول للمراة بأن المستشفى
لديه ميزانية خاصة للحالات المشابهة .

ادمعت عين الرجل :

- بارك الله بك واكثر من امثالك, ولكن اذا
كنت قد تبرعت بمالك كله فكيف حججت اذا ؟

قال سعيد ضاحكا :

- اراك تستعجل النهاية , هل مللت من حديثي ؟
اسمع ياسيدي بقية القصة , رجعت يومها الى بيتي حزينا على ضياع فرصة عمري في الحج
وفرح لأني فرجت كربة المرأة وابنها ونمت ليلتها ودمعتي على خدي فرأيت نفسي في
المنام وانا اطوف حول الكعبة والناس يسلمون علي ويقولون لي حجا مبرورا ياحاج سعيد
فقد حججت في السماء قبل ان تحج على الارض , دعواتك لنا ياحاج سعيد ,
حتى استيقظت من النوم وانا احس بسعادة غير طبيعية على الرغم من أني كنت شبه متاكد
اني لن اتشرف يوما بلقب حاج , فحمدت الله على كل شيئ ورضيت بأمره .

وما ان نهضت من النوم حتى رن الهاتف وكان
مدير المستشفى الذي قال لي :

- ياسعيد أنجدني فأحد كبار رجال
الاعمال يريد الذهاب الى الحج هذا العام وهو لايذهب دون معالجه الخاص
الذي يقوم على رعايته وتلبية حاجاته, ومعالجه زوجته في ايام حملها الاخيرة ولا
يستطيع تركها فهلا أسديتني خدمة وذهبت بدلا عنه ؟ لا اريد ان افقد وظيفتي اذا غضب
مني فهو يملك نصف المستشفى .

قلت له بلهفة :

- وهل سيسمح لي ان احج ؟

فاجابني بالموافقة فقلت له اني ساذهب معه
ودون اي مقابل مادي , وكما ترى فقد حججت وباحسن مايكون عليه الحج وقد رزقني الله
حج بيته دون ان ادفع اي شيئ والحمد لله وفوق ذلك فقد اصر الرجل على اعطائي مكافئة
مجزية لرضاه عن خدمتي له وحكيت له عن قصة المرأة المسكينة فأمر بان يعالج ابنها في
المستشفى على نفقته الخاصة وان يكون في المستشفى صندوق خاص لعلاج الفقراء وفوق ذلك
فقد اعطى زوجها وظيفة لائقة في احدى شركاته .

نهض الرجل وقبل سعيد على جبينه :

- والله لم اشعر في حياتي بالخجل مثلما اشعر
الان يا اخ سعيد فقد كنت احج المرة تلو الاخرى وانا احسب نفسي قد انجزت شيئا عظيما
وان مكانتي عند الله ترتفع بعد كل حجة ولكني ادركت لتوي ان حجك بالف حج
من امثالي فقد ذهبت انا الى بيت
الله بينما دعاك الله الى بيته ومضى وهو يردد:

غفر الله لي, غفر الله لي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق